لابد أن خصوصيتنا في العالم الرقمي أمر يهمنا جميعاً، ولكن لنعترف أن الحفاظ عليها بات اليوم أمراً شاقاً ولربما مستحيلاً!
فمن المعروف للجميع أن كافة شركات التكنولوجيا مثل Google و Facebook و Amazon وغيرها من مصلحتها جمع بيانات المستخدم، وكلما زاد عدد البيانات التي يمكنهم جمعها كان ذلك أفضل لها وهي تسعى للحصول على أكبر قدر من بياناتنا للاستفادة منها في تحسين أدائها والحصول على المزيد من الأرباج.
مقال اليوم يتحدث عن الضجة الأخيرة التي أثيرت حول سياسة الخصوصية الجديدة لتطبيق المراسلة WhatsApp.
لطالما كانت الخصوصية ميزة رئيسية لتطبيق WhatsApp، فعندما تم طرح التطبيق عام 2009 من قبل بريان أكتون وجان كوم كان يخضع لرقابة مشددة ووعد مؤسسوه حينها بالحفاظ على بيانات المستخدمين محمية وأمنة، حتى أنه أصبح بحلول عام 2011 أحد أفضل 20 تطبيقا في متجر تطبيقات Apple في الولايات المتحدة.
لكن بعد أن استحوذت شركة Facebbok على WhatsApp عام 2014، بدأ التطبيق بالتخلي تدريجياً عن الحماية التي تميز بها. ففي عام 2016 بدأ WhatsApp بمشاركة معلومات المستخدم مع الشركة الأم، مما سمح باستخدام معلومات مثل أرقام الهواتف لإعلانات Facebook المستهدفة وقد اعترفت شركة Facebook بهذا الخرق للخصوصية ولكنها بررت بأنه غير مقصود.
لكنها عادت مجدداً وأعلنت في بداية العام الحالي عن سياسة خصوصية جديدة في WhatsApp تسمح بمشاركة البيانات مع الشركة الأم Facebook ومع مجموعة شركاتها الأخرى مثل FB Messenger وInstagram بالإضافة إلى الشركات الأخرى الخارجية (شركات طرف ثالث) بهدف تسهيل ودعم ودمج أنشطتها وتحسين الخدمات وتجربة خدمات جديدة وتقديم اقتراحات تهم المستخدمين وعرض الإعلانات ذات الصلة بهم.
وعلى المستخدمين قبولها بصورة قسرية بحلول 8 شباط 2021 أو التوقف عن استخدام التطبيق. وهذه السياسة الجديدة لن تطبق في الاتحاد الأوروبي لكونها تنتهك مبادئ اللائحة العامة لحماية البيانات.
هذه السياسة قوبلت بزوبعة من الانتقادات وأثارت حفيظة خبراء التقنية وكثير من المستخدمين العاديين. وتمت الدعوة لحذف التطبيق والاعتماد على تطبيقات بديلة أكثر أماناً وخصوصية مثل تطبيق Signal المجاني مفتوح المصدر الذي أكد على أن كافة البيانات فيه مملوكة للمستخدمين وسيتم حذفها بعد إرسالها بفترة معينة ولن يتم مشاركتها مع أي طرف أو استخدامها لأغراض دعائية مطلقاً. وتطبيق Telegramالذي يستخدم خوارزمية تشفير قوية ويتمتع بميزة الرسائل السرية التي يتم حذفها ذاتياً ولا يتم الاحتفاظ بها في التطبيق.
وبالرغم من بقاء المحادثات بين الأشخاص عبر تطبيق WhatsApp مشفرة إلا أن التطبيق (وبالتالي باقي تطبيقات فيسبوك) سيتمكن من الاطلاع على البيانات التالية:
رقم الهاتف
المعلومات التي تقدمها للتطبيق أثناء إنشاء الحساب.
صورة الملف الشخصي والحالة.
معلومات الجهاز وشبكة الهاتف المحمول.
عنوان IP و الموقع الخاص بك.
وقت إجراء الرسائل والمكالمات ومدة الجلسات والمكالمات.
عدد المرات التي تم استخدام التطبيق فيها والميزات المستخدمة.
كافة أرقام الهواتف المسجلة لدى المستخدم.
المفاتيح التي ضغطت عليها في لوحة المفاتيح أثناء الكتابة.
فكل هذه البيانات ستكون غير مشفرة وسيقوم التطبيق بجمعها عنك وبيعها لأطراف ثالثة- لتستخدمها تلك الأخيرة لأهدافها التجارية.
على سبيل المثال ، لنفترض أنك تتصل بطبيب الأسنان في الحي المجاور لتحديد موعد كل 6 أشهر. عندها WhatsApp قد لا يعرف محتوى محادثتك مع طبيبك. لكنه سيعرف بسهولة أنك قمت بتسجيل الدخول في الساعة 9:30 وتحدثت لمدة 10 دقائق مع شخص ما، وسيعرف من هو هذا الشخص من خلال ملفه الشخصي على Facebook المربوط على نفس رقم الهاتف. وعند البحث في سجل المكالمات الخاص بك (والذي لن يتم حذفه بالطبع) ومعرفة مدى تكرار الاتصال به، سيتمكن WhatsApp من تحديد أنك عميل متكرر ويعرف المكان الذي تتردد إليه ويعرف الموعد الذي حددته مع الطبيب.
قم بتطبيق هذا على بقية الرسائل التي ترسلها على WhatsApp وتخيل كمية المعلومات التي سوف يستنتجها من تحليل كل هذه البيانات والاعتماد عليها لاستهداف الإعلانات وإجراء تنبؤات سلوكية.
انقسم المستخدمون في العالم حيال هذه السياسة إلى طرفين:
- الغالبية العظمى من المستخدمين يرون أن حصول التطبيق على هذه البيانات لأي غرض كان، هو أمرغير قانوني. ويرون أن البيانات التي يتم دمجها مع تطبيقات شركة Facebook تعني أن المستخدم يخضع دائماً لمراقبة من الشركة التي قد تغيرالتطبيق لاحقاً لتتبع المزيد من البيانات. ويخشون كذلك من استخدام تلك البيانات في حملات دعائية سياسية أو مشاركتها بشكل غير رسمي مع جهات غير مرغوبة قد تساومهم على بياناتهم الشخصية لاحقاً. وطالبو بحذفه فوراً من الهواتف والاعتماد على التطبيقات الأخرى الأكثر أمناً.
وأعجبني في هذا الخصوص تصريح للرئيس التنفيذي لشركة Apple قال فيه: "إذا قبلنا أن كل شيء في حياتنا يمكن تجميعه وبيعه بشكل طبيعي وحتمي ، فإننا نفقد أكثر بكثير من البيانات الشخصية, نفقد حرية أن نكون بشراً" - في حين يرى فريق آخر من المستخدمين أن التطبيق أصبح وسيلة الاتصال الرئيسية التي يستخدمونها للتواصل مع أحبائهم وأصدقائهم، ولا توجد في سياسة الخصوصية الجديدة مشكلة طالما أنهم لا يشاركون بيانات حساسة وهامة عبر التطبيقات. ولا مانع من إتاحتها لشركات أخرى لتستفيد منها في الإعلانات مقابل بقاء هذه التطبيقات مجانية. فهناك الكثير من الشركات الأخرى مثل Google وغيرها..التي تجمع الكثير من البيانات الشخصية من مستخدميها من خلال تطبيقاتها ولن يتوقف الأمر على WhatsApp وFacebook! فإما أن نستخدمها كلها أو نحذفها كلها وبذلك نلغي كل حياتنا الرقمية!
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ شركة WhatsApp من جهتها عادت وأكدت بأن هذا التحديث لن يتسبب في أي تغيير فيما يتعلق بممارسات مشاركة البيانات مع Facebook، وأنه لن يؤثر على خصوصية تواصل المستخدمين مع أصدقائهم أو عائلاتهم فالمكالمات والنصوص المتبادلة بينهم ستبقى مشفرة ومحمية من خلال التشفير ثنائي الاتجاه.
لكن بالرغم من هذه التصريحات، لا يزال غالبية المستخدمين المشككين غير مرتاحين لهذه التصريحات، ولا يشعرون بالثقة من عملية تخزين النسخة الاحتياطية للدردشة الخاصة بهم على منصات الطرف الثالث أو الأنظمة الأساسية المشفرة ثنائية الاتجاه مثل Google Drive أو iCloud.
هل أنت ممن يهتم بأمر الخصوصية و قمت بحذف التطبيق واعتمدت تطبيقاً آخر..أم أنك ترى الأمر فعلاً تهويلاً غير مبرر وستحتفظ بالتطبيق على جهازك؟
اقرأ أيضاً:
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق